فلنكن كذلك إذًا
تاريخ النشر: 17 محرم 1446هـ الموافق 24 يوليو 2024م
عدد الزيارات : 244
إنشر المقال :
لقد أثرى الإسلام حياة الناس بمصطلحات ومفاهيم وخلال ساميات كريمات، كان لها بالغ الأثر في اعتدال البشرية جمعاء نهجًا جديدًا ونظامًا فريدًا يدعم مسيرتهم ويحفظ هويتهم، وهذه المصطلحات والمفاهيم وتلك الخلال منها ما كان قائمًا من قبل ولكن تناوشته أسباب الجهل واخترمته عوامل الشذوذ والانحراف حتى تركته أثرًا بعد عين، وما زال كذلك حتى هبّت عليه نسائم الإسلام الطرية، وأصابه وابله العذب، فدبت فيه الحياة من جديد، واشتد عوده وآتى أكله ضعفين، ومنها ما ابتدأه الإسلام وأنشأه إنشاءً فسعدت به البشرية أيما سعادة.
ومن بين تلك المصطلحات الرائقة التي أولاها الإسلام عنايته ورعايته مصطلح (الخير ومحبة إيصاله إلى الغير)، فلطالما ظلم هذا المصطلح بين فئات من الناس وقطاعات من البشر، وذلك بحصره في إطارات ضيقة تخدم مصالحهم وتسعى حثيثًا في إرضاء شهواتهم وتلبية رغباتهم.
إن الجريمة الكبرى التي ارتكبها هؤلاء في حق هذا المصطلح الوادع الواعد تتلخص في تفريغهم إياه من محتواه البديع، وحشوه بما يكرس للأنا البغيضة التي تحصر الخير والنفع وتقصرهما على نفسها، ولا ترى الخير خيرًا إذا تعداها إلى غيرها.
وغير خاف على كل ذي لب أن شيوع هذا النوع من الثقافة يعني قدرًا أكبر من الظلم والحقد والحسد بين أبناء البقعة الواحدة، وبمجيء الإسلام تغيَّر كل شيء، وعادت إلى مصطلح الخير سيرته الأولى بطهرها وبراءتها وجمالها.
جاء الإسلام فأماط غبار الجاهلية عن وجه الخير الجميل، وأعاد إلى الأذهان معناه الحقيقي الرحب الفسيح الذي يجلل الجميع بفضائله ونعمائه، يدخل في ذلك من أصابه ذلك الخير ومن حوله، وشيئًا فشيئًا تتسع الدائرة حتى تحيط بالجميع، لا تحده حدود ولا يعوق مسيرته عائق.
ومن ألقى نظرة سريعة على النصوص التي تناولت بالذكر مصطلح الخير يجد أنها تدفع باتجاه واحد وهو إفساح المجال أمام الخير وتنحية الأنا الخبيثة من طريقة، واقرأ معي -أخي الكريم- قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران: 104)، وقوله سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (آل عمران: 110).
فكلتا الآيتين الكريمتين المتلاحقتين -اللتين لا يفصل بينهما إلا بضع آيات فقط- ترسخان في المتلقي قناعة بأن الخير نمير عذب ونهر جار، صلاحه في جريانه وبلوغه أبعد الآماد، وعطبه في حبسه ووضع العقابيل في طريقه، وأمة الإسلام تفضَّل الله عليها وتكرم بأن جعلها خير أمة أخرجت للناس، بيد أن هذه الخيرية لا تكمل ولا تصفو لها إلا بأن تحمل هذه الأمة ذلك الخير وتوصله إلى الغير بغض النظر عن جنس أو لون أو دين ذلك الغير، وجاء في الحديث الشريف: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا). رواه مسلم.
فالحديث يدعو صراحة وبوضوح إلى توصيل الخير للغير بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، يوضح ذلك الإتيان بكلمة "هدى"، وهي نكرة في سياق الشرط، فتعم لتشمل كل خير عملاً كان أم قولاً، كما يوضحه كذلك الحافز المضاعف أضعافًا كثيرة لمن نشط في هذا المجال، والحاصل أن الإسلام دين خير يشحذ همم أتباعه إلى أن يكونوا مفاتيح خير لأنفسهم ولغيرهم.. فلنكن كذلك إذا.